رام الله-“القدس”دوت كوم- يُعد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي عادة للملايين من الأشخاص حول العالم، نظرا لتوفرها على العديد من الاستخدامات والوظائف التي تسمح للأفراد بالتفاعل أو استهلاك معلومات مختلفة، فلم تفلت الإمكانات التجارية والتسويقية لهذه المواقع من الشركات والعلامات التجارية التي تروج باستمرار لمُنتجاتها وتظاهراتها وإغراءاتها. على سبيل المثال، يظل فيسبوك الشبكة الاجتماعية الرقمية الأكثر شعبية، مع أكثر من 2.4 مليار مستعمِل نشِط كل شهر و1.5 مليار مستعمِل نشِط يوميا في جميع أنحاء العالم خلال نفس السنة، وذلك حسب الإحصائيات الرسمية المتوفَرة بالموقع الأزرق سنة 2019.
وفيما يتعلق بحماية البيانات الشخصية لمستعمِلي التطبيقات المثبَتة بهواتفنا الذكية، لا يتمتع فيسبوك بسمعة جيدة. وبالتالي، فإن مشاركة بعض التطبيقات (التي تَستخدم نظام أندرويد) للبيانات الخاصة لمستعمِليها مع فيسبوك دون موافقة واضحة منهم ليست بحقيقة مفاجِئة. كان هذا نتيجة دراسة حديثة أجرتها منظمة الخصوصية الدولية (Privacy International). ماي فيتنس بال (MyFitnessPal)، وتريب أدفايزر (TripAdvisor)، وإن ديد (Indeed) هي مثال قليل للعديد من تطبيقات أندرويد التي ترسِل بيانات حساسة إلى فيسبوك.
فقد أجرت هذه المنظمة غير الحكومية (التي تقوم بحملات لحماية المواطنين من انتهاك خصوصيتهم التي ترتكبها الحكومات وغيرها من المنظمات) تحليلاً مفصلاً لكل تطبيق من هذه التطبيقات، حيث قامت بفحص 34 تطبيقًا من التطبيقات الأكثر شعبية ووجدت أن 21 منها على الأقل (أي 61٪) “شارك البيانات الخاصة بصفة تلقائية مع فيسبوك بمجرد تشغيل التطبيق من طرف المستخِدم”. الخطير في الأمر هو أن هذا يخص كل مستعمِل كان يملك حسابا على فيسبوك أم لا.
بالإضافة إلى ذلك، ذكرت الدراسة نفسها أنه في بعض الحالات تكون البيانات التي تشاركها هذه التطبيقات مع فيسبوك “مفصَلة وحساسة للغاية”. المثال النموذجي هو تطبيق كاياك (Kayak) المتخصص في عرض ومقارنة أسعار السفر دوليا كان أو محليا. يرسِل هذا التطبيق إلى فيسبوك جميع المعلومات التفصيلية حول عمليات البحث عن الرحلات التي قام بها مستخدِمو التطبيق: الوِجهة وتاريخ السفر والمطار المستعمَل وتاريخ العودة وعدد التذاكر المطلوبة … وتَكشف البيانات المشارَكة أيضًا عن معلومات مثل نوع ومميزات الهاتف الذكي الذي يستخدمه الفرد. وبالتالي، يساعد إرسال هذه البيانات الشركات الإعلانية في الحصول على فكرة عن الملف الشخصي الكامل للمستخدِم (الاسم والاهتمامات والأنشطة و…).
لكن، هل تتوافق هذه التطبيقات مع القانون العام للاتحاد الأوروبي بشأن حماية البيانات (RGPD) الذي دخل حيز التنفيذ في 25 مايو 2018؟
مِن الناحية التشريعية، إن الغرض من RGPD هو تعزيز وتوحيد حماية البيانات الشخصية المتعلقة بجميع المواطنين المتواجدين خاصة على أراضي الاتحاد الأوروبي. هذا يعني أنه يجب وضع حد للطريقة التي يستخدم ويسَوِق بها عمالقة الويب البيانات التي يجمعونها لمستخدِميهم. وبموجب هذه القواعد، يجب أن تَحصل التطبيقات على موافقة صريحة من المستخدِمين قبل جمع بياناتهم. لكن في الواقع، يتم مَنحها هذه الموافقة ضمنيا عند تثبيتها! ومن أجل التحايل على قواعد القانون العام للاتحاد الأوروبي، أصبحت السياسات الخصوصية لمعظم التطبيقات أطول بكثير بهدف عدم تشجيع المستعمِلين على مطالعتها بالكامل! نتيجة لذلك، قد يستمر العديد من الأشخاص في النقر على زر “قبول” دون قراءة أي شيء.
عند اطلاعنا على شروط الاستعمال وعلى السياسة الخصوصية لبعض التطبيقات، نذكر على سبيل المثال التطبيق الفرنسي لو سيكري دو بوا (Le Secret du Poids). تم تنزيل هذا العداد للسعرات الحرارية من قبل أكثر من مليوني شخص عبر العالم، حيث يسمح لهم (أو بالأحرى يَعِدهم) بإنقاص وزنهم والحفاظ على رشاقتهم. وفقًا للشروط العامة لاستخدام لهذا التطبيق، يعتبر المستخدِم موافقا على هذه الشروط والتعديلات اللاحقة بمجرد استخدامه للتطبيق.
لذا، فإن المستعمِل مطالب بالاطلاع “المنتظم” على العقد الذي يُقنن استخدامه للتطبيق بهدف معرفة ما إذا وقع عليه أي تغيير. الغريب في الأمر هو أن هذا التطبيق يصل إلى بعض البيانات الشخصية الخاصة بالمستخدِمين (الصور ومقاطع الفيديو) المتواجدة بالهاتف الذكي، وخاصة تلك التي ليست لها أية صلة بالنشاط الرئيسي للتطبيق المتعلق بالنظام الغذائي (محتويات بطاقة الذاكرة، الاتصالات الشبكية، وما إلى ذلك). السؤال الذي يطرح نفسه: بما أن المستخدِم لا يملأ على مستوى التطبيق سوى وزن مأكولاته اليومية، ما فائدة الصور ومقاطع الفيديو التي جُمعت بواسطة هذا التطبيق؟
نجد الإجابة على هذا السؤال في شروط الاستخدام الخاصة بالتطبيق الرياضي ماي فيتنس بال (MyFitnessPal)، التي تنص بوضوح على أنه يجمع “البيانات الشخصية بطرق مختلفة ولأغراض مختلفة” بالإضافة إلى ذلك، يعلن رسميًا أنه “قد” ينقل هذه البيانات إلى بعض الشركاء والشبكات الاجتماعية بغرض استعمالها في الإعلانات المستهدِفة ولتحسين تجربة المستخدِم.
وبالإضافة إلى ما سبق التعرض له، وخلافاً لما اقترحه رئيس فيسبوك، عَقِب جلسة الاستماع أمام الكونغرس الأمريكي خلال شهر أبريل 2018، فإن الموقع الأزرق لن يطبِّق القانون الأوروبي بالطريقة نفسها في جميع أنحاء العالم، حيث إنه لن يتمكن مليار ونصف المليار من مستعملي الموقع من الوصول إلى وسائل الحماية الأوروبية.
لذا، فقد أصبح موضوع حماية البيانات الشخصية بالمغرب قضية اجتماعية لكون تداول المعلومات يُمثل مشكلة: هل للشركات (الأجنبية خاصة) الحق في رسم صورة افتراضية للأفراد؟ يبقى السؤال المطروح بالنسبة للمستهلِك المغربي: هل يستطيع فهم محتوى العقد الذي يربطه بالتطبيق والذي يتميز بصيغته القانونية ولغته الأجنبية في أغلب الأحيان؟ إلى أي مدى يريد المستعمِل الحفاظ على حياته الخاصة؟ هل يقبل تداولَ وتسويق بياناته الحساسة المتعلقة بصحته أو عِرقه أو آرائه السياسية أو معتقداته الشخصية أو الدينية مقابل استفادته من مزايا التطبيق؟ بالنسبة لشركات وعمالقة الويب، يصبح هذا النقاش أكثر حدة لأنه يؤثر على سمعة أنشطتهم ويضع مصداقيتها على المحك.
أخيرًا، يمكننا اعتبار المستخدِم “متواطأ” مع صانعي هذه التطبيقات الذين يسيئون ويفرطون في معالجة بياناته الشخصية، لكونه ينغمس طوعًا في هذه التطبيقات ويشاركها بياناتِه عمداً ولا يطلع (في معظم الحالات) لا على شروط الاستعمال ولا على السياسة الخصوصية الخاصة بالتطبيق المستعمَل.
وبالتالي، يمكننا القول إن المستعمِلين يتواجدون بين مطرقة صانعي هذه التطبيقات وسندان رغبتهم في الاستفادة من ميزات التطبيقات المستخدَمة. لذا، يجب أن يؤخذ موضوع المعطيات الشخصية على محمل الجد، من أجل توعية المجتمع وضمان التوازن بين الحرية والتحدي التكنولوجي.