التكنولوجيا المالية هو التركيب اللغوي الجديد نسبيًا والذي يتم تداوله اليوم في عالم المال والأعمال بكثرة، فما الذي يعنيه تزاوج التكنولوجيا مع المال؟ بدايةً يختصر المصطلح بــــ “فينتك” (Fintech) وهو اندماج كلمتين في اللغة الإنكليزية الأولى هي تقنية (Technology) والثانية مالية (Finance) أما الغرض الأهم لهذا القطاع هو الاستفادة من تطبيقات القنية في تسهيل تبادل الأموال واستثمارها وإدارتها.

لذا تقدم شركات التكنولوجيا المالية خدمات وحلول مبتكرة في كل ما يرتبط بالخدمات المالية، مثل خدمات الدفع الإلكترونية، تحويل الأموال بين الأفراد، تسهيل عمليات الاقتراض أو التمويل أو الادخار لتصبح هذه الشركات عبر تطبيقاتها التكنولوجية بمثابة مصارف أونلاين تعمل بصورة تقليدية.

ولعل من أبرز تطبيقات هذه التكنولوجيا، التمويل الجماعي الذي يسمح لشريحة عريضة من الجمهور في الدخول إلى صفقات استثمارية لتمويل لشركات ومشاريع ناشئة، مقابل الحصول على حصة من هذه المشاريع تتناسب مع قيمة المبلغ المدفوع، فضلًا عن الأموال الإلكترونية أو ما يمكن اعتباره سمة العصر الحديث بالعملات الرقمية المشفرة.

وكما كان دخول التكنولوجيا إلى قطاعات جديدة يحمل الإمكانيات والابتكارات الجديدة، التي تجعل من حياة البشر أسهل، إلا أن البشر أنفسهم هم أكثر المتضررين، فخلال السبع سنوات الماضية استغنى أربع من كبار المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عن 350 ألف عامل! لتصبح الأدوات والحلول التقنية، كبطاقات الائتمان والعمليات الإلكترونية بديلًا أكثر موثوقية وكفاءة من العنصر البشري، ما يعني زيادة نسب البطالة في الظاهر.

كيف ساهمت التكنولوجيا المالية “فينتك” في زيادة الكفاءة للأعمال التجارية؟

تساعد التكنولوجيا المالية عبر سلسلة الميزات التي تقدمها للشركات في تحقيق نسب نمو أعلى وأسرع للكيانات التجارية، كما أنها عبر البرمجيات المتطورة تساهم في تخفيض أجور التشغيل، وتقدم تجربة أفضل للعملاء، حيث تسمح الأنظمة الحاسوبية المؤتمتة بضمان سير العمليات التشغيلية بصورة لا تحمل الخطأ وبدون تعقيدات التدخل البشري، الأمر الذي جعل رجال الأعمال يركزون على ضرورة تحويل مشاريعهم للاعتماد على أحدث التقنيات والميزات المستقبلية.

من الطبيعي ان يكون ذلك على حساب القوى البشرية العاملة، لأن التوفير في التكلفة يعني زيادة في الكفاءة، ومن جهة ثانية تسمح التكنولوجيا كالإنترنيت مثلًا في زيادة القدرة على النفاذ إلى أسواق جديدة، لم تكن متاحة سابقًا بسبب قصر العامل الجغرافي.

فمثلًا شركات التأمين، أصبحت تعمل وفق برمجيات لتحليل وتفسير بيانات العملاء، دون الحاجة لوجود محللين ماليين، وكذلك الأمر في شركات الاستثمار التي يمكنها قراءة البيانات التاريخية للأسواق والتعرف على اتجاهات الحركة المتوقعة خلال الفترات المقبلة عبر برمجيات التحليل المالي.

أما بالنسبة للعملاء، فأصبحت تجربة الشراء أيضًا للسلع والخدمات، أسهل وأكثر سرعة ودون الحاجة لجهد كبير، فتبسيط الإجراءات يساهم في زيادة العمليات التجارية، وهو ما يفسر امتلاك عدد كبير من الشركات العالمية لمنافذ بيع ومتاجر تقدم الخدمات عن طريق الأنترنيت سواء في أجهزة الكومبيوتر الشخصية أو الهواتف الذكية المحمولة.

زيادة عالمية بالاستثمار في التكنولوجيا المالية

 بدأت الاستثمارات في التكنولوجيا المالية تتخذ منحى الزيادة في عام 2010، حيث كانت بحدود 1.8 مليار دولار، لتقفز خلال أربع سنوات 7 أضعاف وتصل بحلول عام 2014 إلى 12.6 مليار دولار.

فيما تشير التوقعات أن تصل الاستثمارات إلى 46 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020 بفضل التقدم التكنولوجي والمنتجات المالية المبتكرة.

وكانت الاستثمارات في مجال التكنولوجيا المالية، قد سجلت ارتفاعات مستمرة حيث بلغت في القارة الأوربية 120 بالمائة عن الفترة الممتدة بين عام 2014 وعام 2015. لتسجل اجمالي اعداد الصفقات زيادة كذلك بنحو 51 بالمائة، ففي ألمانيا التي تمتلك أقوى اقتصاد في منطقة اليورو، زادت الاستثمارات بواقع 770 مليون دولار أمريكي، مقارنة بــ 631 مليون دولار في إيرلندا، حيث تشكل هذه الأرقام مؤشر على أهمية القطاع وسرعة تطوره.

أما آسيويًا، فتشكل الأسواق هناك ثاني أكبر مساهم في قطاع التكنولوجيا المالية، وتتربع كل من هونغ كونغ وسنغافورة على عرش صناعة التكنولوجيا المالية، وتتنافسان بشدة فيما بينهما وعالميًا لقيادة هذا القطاع، مؤخرًا تم توقيع مذكرات تفاهم بين البنوك المركزية في سنغافورة وهونغ كونغ لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مشاريع التكنولوجيا المالية.

في الوقت الذي قفزت فيه استثمارات الصين بنسبة 445% لتشكل 2 مليار دولار أمريكي، فيما خصصت الهند 1.65 مليار دولار.

 كما تسعى المكسيك لضبط إيقاع مشاريع التكنولوجيا المالية سريعة النمو وتنظيمها، خاصة للشركات التي تستخدم العملات الرقمية في منتجاتها، من خلال قانون جديد يحفز المنافسة ويقدم حماية كافية للمستخدم.

لكن المستثمر الأكبر في هذا القطاع عالميًا، يبقى الولايات المتحدة الأمريكية التي استفادت من معدلات النمو المعتدلة فيها، لتصبح مساهمتها خلال السنوات التي مضت تتجاوز 4.5 مليار دولار أمريكي.

زيادة عالمية بالاستثمار في التكنولوجيا المالية

تطبيقات التكنولوجيا المالية

على اعتبار أن التكنولوجيا المالية تعتمد على سرعة وسهولة تنفيذ العمليات التشغيلية من جهة، والنفاذ لجمهور أوسع دون تقيد جغرافي من جهة ثانية، فكان من المنطقي أن تتأثر الاستثمارات العالمية بالتطورات المتلاحقة للقطاع.

 وأنعكس ذلك بصورة ارتفاعات مستمرة حيث قفزت تلك الاستثمارات من 928 مليون دولار أمريكي في عام 2008 لتصل إلى 4 مليارات في عام 2013، فيما تقول شركة البحوث المتخصصة “فاليو أد” ان المبلغ الكلي وصل في عام 2015 إلى 20 مليار دولار أمريكي.

لكن أبرز التطبيقات التي تقدمها التكنولوجيا المالية، هي خدمة التمويل الجماعي التي تستخدم الانترنيت عبر منصات خاصة لجمع التمويل اللازم لمشاريع ريادية وناشئة من قبل العديد من المستثمرين حول العالم.

لقد وصل حجم الاستثمارات أو الأموال المدفوعة في منصات التمويل الجماعي حول العالم، خلال السنة الماضية إلى ما يزيد عن 34 مليار دولار أمريكي، فأصبحت تلك المنصات بمثابة بنوك استثمارية بإمكانيات مالية ضخمة. وبالرغم من أن كثيرًا من المتابعين لشؤون الاستثمار، يعتقدون أن هذه الطريقة لا يمكن أن تحل محل المصارف التقليدية أو الأسهم أو السندات، إلا أن الواقع يشير إلى تطورات كبيرة لا يمكن اهمالها في هذا المجال.

فمثلًا، استفادت الشركة الأمريكية المتخصصة في انتاج العتاد المستعمل في الواقع الافتراضي، Oculus VR عام 2012 من خدمات التمويل الجماعي، وحصد “بالمار لاكي ” (Pamer Luckey) مؤسس الشركة ما يقارب 2.5 مليون دولار أمريكي في حملته لبناء العلامة التجارية الخاصة به، ما ساعد شركته الناشئة والتي كانت تستهدف جمع 250 ألف دولار أمريكي فقط!

وفضلًا عن خدمات التمويل التشاركي / الجماعي (Crowdfunding)، سمح وجود شركات الفينتك بتقدم خدمات الإقراض بأسلوب الند – للند. وتخصص برامج الإقراض هذه للأفراد الذين يمولون بنفسهم هذه الخدمات.

ويقوم المبدأ العام على اللجوء لمنصات التمويل الجماعي، للحصول على قروض شخصية بغرض الاستهلاك، حيث يستفيد المقرض من تقديم المال للمقترض مقابل نسبة فائدة تكون أقل مما تأخذه المؤسسات المالية التقليدية. لنجد أن مصادر التمويل في تلك الحالة أصبحت الأفراد العاديين.

ففي الأردن وخلال الأعوام الماضية، سجل ظهور منصة “جرين والت” التي تسمح للمستخدم بالحصول على قرض مالي خلال مدة 15 دقيقة فقط، كما باشرت منصة “ليوا” عملياتها يعد ان قدمت منتج مالي متوافق مع الشريعة الإسلامية عند منح القروض.

وتظهر خدمات الدفع الإلكترونية، عبر مواقع الويب أو تطبيقات الهاتف المحمول التي تستعمل في شراء المنتجات أو الخدمات من المتاجر الإلكترونية، وتتربع شركة باي بال على عرش هذه الخدمات، مع قيمة سوقية تبلغ 49 مليار دولار أمريكي، ومعاملات سنوية تتجاوز 10.5 مليار دولار أمريكي، تحصد منها الشركة أرباح صافية تبلغ مليار دولار أمريكي.

تطور التكنولوجيا المالية وبرمجيات الهواتف المحمولة ساهم في ظهور أدوات ومنتجات جديدة، وسمح لكثير من الشركات الناشئة في ابتكار تطبيقات فعالة منها، تلك المخصصة للتحكم في إدارة المعاملات البنكية، او المحافظ الإلكترونية، وبرامج التوصيات الاستثمارية التي توفر للمستخدمين معلومات وشروحات هامة عن أدوات مالية استثمارية واعدة.

العالم العربي والتكنولوجيا المالية

ما يزال انتشار التكنولوجيا المالية وخدماتها في العالم العربي قليل نسبيًا، باستثناء خدمات الشركات العالمية التي تصل عن طريق الانترنيت للجمهور العربي، ويشكل هذا الضعف في الانتشار عقبة كبيرة امام ظهور وتطور المشاريع الريادية والناشئة في المنطقة.

يظهر تقرير متخصص عن ” المدفوعات الرقمية لعام 2016″ نمو متباطئ في منطقة الخليج العربي، إلا أن التوقعات بتزايد عمليات الدفع الإلكتروني حاضرة بقوة، وتشير التقديرات إلى وصول عمليات الدفع الرقمية (الإلكترونية) لتصل إلى نحو 69 مليار دولار بحلول عام 2020.

التقرير ذكر أن المنطقة تشهد نموًا في عمليات الدفع الرقمي بنسبة 23 بالمائة يدفعها لذلك النمو السنوي لدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.  ويشكل استعمال الخدمات المصرفية عبر الانترنيت وبطاقات الصراف وأنظمة الدفع البديلة ومن امثلتها “كاش يو” و ” ون كارد” و”باي بال “شعبية جيدة، إلا أن 85 % من المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط يتبعون طريقة الدفع عند الاستلام حتى الآن.

من المتوقع أن تحدث التكنولوجيا المالية ثورة كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي ومصارفها، وهو ما دفع شركات ناشئة للدخول في قطاع تطبيقات التكنولوجيا المالية، وتحفيز الدفع الإلكتروني وفي الكويت مثلًا أصبحت تشاهد شركات تمتلك تطبيقات على الهواتف الذكية متخصصة في تقديم تلك الخدمات، مثل تطبيق “اجار” وتطبيق “ماي فاتورة” التي تسمح للمستخدم بسداد الأموال عبر الهاتف النقال.

في نفس السياق، نجد محاولات حكومية رائدة على مستوى المنطقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تسعى لتنشيط التجارة الإلكترونية، خاصة أن نسب المتسوقين عبر الانترنيت فيها تبلغ 71 بالمائة من اجمالي عدد السكان، فيما تتراجع إلى 50 بالمائة في بلد مثل الأردن بحسب تقرير ” المدفوعات الرقمية “

الجهات الحومية في دول الامارات، تبدي تعاون كبير مع القطاع المصرفي، والهيئات المتخصصة والشركات المهتمة بالخدمات المالية، وتقول الحكومة أنها تريد ” تريد تسريع عملية النمو في هذا المجال، وزيادة عدد المستثمرين” وهو ما يبرر الاتفاق بين حكومة الامارات وأستراليا في مجال التعاون وتبادل الخبرات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية، الأمر الذي تتوقع منه الحكومة زيادة فرص النمو والازدهار لهذا القطاع.

كما أطلقت إمارة دبي، عبر مركز دبي المالي العالمي خلال الفترة الماضية برنامج” فينتك هايف” الذي من المتوقع له أن يسرع تبني العملاء للتكنولوجيا المالية، ويحسن تجربتهم مع تعزيز الكفاءة في جميع عمليات التشغيل لقطاع الخدمات المالية. وتمامًا بنفس الغرض استطاع سوق أبو ظبي العالمي إطلاق برنامج مماثل هو ” المختبر التنظيمي” المسؤول عن ضبط وتطوير استعمال هذه التقنيات.

وبدوره أضاف بنك المشرق الإماراتي إلى خدماته، منفذ عالمي يسمح بتنفيذ عمليات شراء من مختلف أنحاء العالم، سميت هذه الخدمة “المشرق باي”، فيما سيقوم المصرف بتنفيذ عمليات رقمنة لخدماته عبر استثمار مبالغ جديدة في عملية التحول، والتي من المفترض أن تزيد أرباحه مستقبلًا بواقع 12 بالمائة بعد تنفيذ عملية الترقية لخدماته، تنتهي بتخفيض عدد الموظفين والفروع إلى النصف خلال السنوات الثلاثة المقبلة.

تقول الدراسات المتخصصة، أن شركات التكنولوجيا المالية ستستقطب في دول مجلس التعاون الخليجي استثمارات تصل لمليارين دولار أمريكي خلال السنوات العشرة المقبلة، سيرافق ذلك حركة تدريجية للتخلص من استخدام العملات النقدية التقليدية مع التحول نحو المدفوعات النقدية، حيث من المتوقع ان تظهر تغيرات جلية في العادات والسلوكيات الاستهلاكية السائدة في المنطقة.

تحويلات المغتربين المالية

لعل أبرز ما يميز المنطقة العربية حاليًا، موجات النزوح واللجوء الكبيرة التي تسببت بها الأنظمة العربية الحاكمة عند مواجهتها للربيع العربي وثورات شعوبها، إلا أن رحلة الاغتراب كانت قد بدأت قبل فترة سابقة بسبب الفشل الحكومي المتلاحق في توفير فرص العمل وبناء اقتصاد قوي، هذا الواقع خلق حاجة ملحة لتحويل الأموال بقصد إعانة الأسر في البلدان العربية من قبل الأبناء المهاجرين.

يقول البنك الدولي أن تكاليف تحويل الأموال حول العالم تمثل 7.7 بالمائة من اجمالي المبالغ المحولة، حيث تذهب هذه الأموال لشركات ومصارف تقدم خدمة نقل وتحويل الأموال، وحتى تتضح الصورة يكفي أن نعلم أن الهند، المهتمة في التكنولوجيا المالية، وحدها تخسر سنويًا 5 مليار دولار في عمليات التحويل القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي، والذي تمتلك فيها جالية ضخمة.

لذا يعول الكثيرون على تطورات التكنولوجيا المالية، في تخفيض هذه الخسارات فيما يرى المهتمون في الشأن المصرفي في التقنيات القادمة، فرصة أهم وأكبر للاستفادة من الواقع الحال وحجم سوق التحويلات الذي يبلغ مليارات الدولارات سنويًا.

الأسواق المالية العالمية

 لا تقتصر تطبيقات التكنولوجيا المالية على تطوير خدمات المصارف او تقديم منتجات رقمية ومنصات تسمح بالنفاذ إلى أسواق جديدة، بل تسمح بعبور الاستثمارات الى أسواق بعيدة. وكان ظهور الانترنيت فرصة الخطوة الأولى لظهور شركات مالية مثل وكلاء الأسهم والسندات، حيث سمحت التكنولوجيا لشركات الوساطة المالية باستقطاب الاستثمارات من كل انحاء العالم، فقدمت بدورها منتجات مالية متطورة وأدوات مالية مغرية.

يستطيع المستثمر البدء بمبلغ لا يتجاوز 1000 دولار أمريكي، وضخ هذا المبلغ المتواضع في بورصات عالمية كبورصة لندن وشيكاغو ونيويورك وسدني وطوكيو، حيث تتم عمليات الشراء والبيع عبر منصة الكترونية تقدم طيف واسع من المؤشرات والأسهم والعملات، مثل أسهم شركة آبل وغوغل ومؤشرات ناسداك أو مؤشر نيكاي الياباني، او ربما استثمر في ازواج العملات العالمية مثل الدولار الأمريكي مقابل الباوند البريطاني او اليورو وغيرها من الأسواق.

وتسمح شركات الوساطة لعملائها بمضاعفة راس المال المستثمر، من خلال الرافعة المالية التي تضاعف راس المال المستثمر دون عناء الحصول على قروض بفوائد عالية.

مستقبل زاهر ومخاطر حقيقية

يهدد قطاع التكنولوجيا المالية، كغيره من القطاعات التجارية، مخاطر أمن المعلومات والاتصال بالإنترنيت، خاصة عند وجود حاجة للطرف الثالث وبرمجياته في عمليات التشغيل، وتشكل تهديدات الاختراق، والتلاعب بالأنظمة المالية الإلكترونية حجر الزاوية في الاقبال على استعمال الخدمة من عدمها، دون ان ننسى إمكانية تلف وضياع البيانات وهو ما يكون محدودًا في العمليات المصرفية التقليدية.

 لكن زيادة الانفاق على ابتكارات أمن المعلومات ووسائل الحماية من الهجمات الإلكترونية يشكل حل معقولًا لهذه المعضلة، ما يحول النقمة إلا نعمة وفرصة جديدة، فالتطورات المتلاحقة لعالم التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية والبرمجيات المالية، يشهد ازديادًا يفسره وصول الاستثمارات في النصف الأول من العام الحالي 42 مليار دولا امريكي، وهو رقم قياسي على جميع المعايير.

الجدير بالذكر أن ظهور مصطلح فينتك كان عام 2008 وبشكل أكثر تحديدًا بعد وقوع الأزمة المالية العالمية، حيث اعطى النظام المالي العالمي مؤشرات واضحة لعدم الاستقرار والحاجة لضبط عملياته مع تقليل تدخل البشر، خاصة مع انتشار عمليات افساد المصرفيين وسوء ادارتهم للأموال المودعة في مصارفهم فيما عرف بأزمة الرهن العقاري.

التكنولوجيا المالية هو التركيب اللغوي الجديد نسبيًا والذي يتم تداوله اليوم في عالم المال والأعمال بكثرة، فما الذي يعنيه تزاوج التكنولوجيا مع المال؟ بدايةً يختصر المصطلح بــــ “فينتك” (Fintech) وهو اندماج كلمتين في اللغة الإنكليزية الأولى هي تقنية (Technology) والثانية مالية (Finance) أما الغرض الأهم لهذا القطاع هو الاستفادة من تطبيقات القنية في تسهيل تبادل الأموال واستثمارها وإدارتها.

لذا تقدم شركات التكنولوجيا المالية خدمات وحلول مبتكرة في كل ما يرتبط بالخدمات المالية، مثل خدمات الدفع الإلكترونية، تحويل الأموال بين الأفراد، تسهيل عمليات الاقتراض أو التمويل أو الادخار لتصبح هذه الشركات عبر تطبيقاتها التكنولوجية بمثابة مصارف أونلاين تعمل بصورة تقليدية.

ولعل من أبرز تطبيقات هذه التكنولوجيا، التمويل الجماعي الذي يسمح لشريحة عريضة من الجمهور في الدخول إلى صفقات استثمارية لتمويل لشركات ومشاريع ناشئة، مقابل الحصول على حصة من هذه المشاريع تتناسب مع قيمة المبلغ المدفوع، فضلًا عن الأموال الإلكترونية أو ما يمكن اعتباره سمة العصر الحديث بالعملات الرقمية المشفرة.

وكما كان دخول التكنولوجيا إلى قطاعات جديدة يحمل الإمكانيات والابتكارات الجديدة، التي تجعل من حياة البشر أسهل، إلا أن البشر أنفسهم هم أكثر المتضررين، فخلال السبع سنوات الماضية استغنى أربع من كبار المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عن 350 ألف عامل! لتصبح الأدوات والحلول التقنية، كبطاقات الائتمان والعمليات الإلكترونية بديلًا أكثر موثوقية وكفاءة من العنصر البشري، ما يعني زيادة نسب البطالة في الظاهر.

كيف ساهمت التكنولوجيا المالية “فينتك” في زيادة الكفاءة للأعمال التجارية؟

تساعد التكنولوجيا المالية عبر سلسلة الميزات التي تقدمها للشركات في تحقيق نسب نمو أعلى وأسرع للكيانات التجارية، كما أنها عبر البرمجيات المتطورة تساهم في تخفيض أجور التشغيل، وتقدم تجربة أفضل للعملاء، حيث تسمح الأنظمة الحاسوبية المؤتمتة بضمان سير العمليات التشغيلية بصورة لا تحمل الخطأ وبدون تعقيدات التدخل البشري، الأمر الذي جعل رجال الأعمال يركزون على ضرورة تحويل مشاريعهم للاعتماد على أحدث التقنيات والميزات المستقبلية.

من الطبيعي ان يكون ذلك على حساب القوى البشرية العاملة، لأن التوفير في التكلفة يعني زيادة في الكفاءة، ومن جهة ثانية تسمح التكنولوجيا كالإنترنيت مثلًا في زيادة القدرة على النفاذ إلى أسواق جديدة، لم تكن متاحة سابقًا بسبب قصر العامل الجغرافي.

فمثلًا شركات التأمين، أصبحت تعمل وفق برمجيات لتحليل وتفسير بيانات العملاء، دون الحاجة لوجود محللين ماليين، وكذلك الأمر في شركات الاستثمار التي يمكنها قراءة البيانات التاريخية للأسواق والتعرف على اتجاهات الحركة المتوقعة خلال الفترات المقبلة عبر برمجيات التحليل المالي.

أما بالنسبة للعملاء، فأصبحت تجربة الشراء أيضًا للسلع والخدمات، أسهل وأكثر سرعة ودون الحاجة لجهد كبير، فتبسيط الإجراءات يساهم في زيادة العمليات التجارية، وهو ما يفسر امتلاك عدد كبير من الشركات العالمية لمنافذ بيع ومتاجر تقدم الخدمات عن طريق الأنترنيت سواء في أجهزة الكومبيوتر الشخصية أو الهواتف الذكية المحمولة.

زيادة عالمية بالاستثمار في التكنولوجيا المالية

 بدأت الاستثمارات في التكنولوجيا المالية تتخذ منحى الزيادة في عام 2010، حيث كانت بحدود 1.8 مليار دولار، لتقفز خلال أربع سنوات 7 أضعاف وتصل بحلول عام 2014 إلى 12.6 مليار دولار.

فيما تشير التوقعات أن تصل الاستثمارات إلى 46 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020 بفضل التقدم التكنولوجي والمنتجات المالية المبتكرة.

وكانت الاستثمارات في مجال التكنولوجيا المالية، قد سجلت ارتفاعات مستمرة حيث بلغت في القارة الأوربية 120 بالمائة عن الفترة الممتدة بين عام 2014 وعام 2015. لتسجل اجمالي اعداد الصفقات زيادة كذلك بنحو 51 بالمائة، ففي ألمانيا التي تمتلك أقوى اقتصاد في منطقة اليورو، زادت الاستثمارات بواقع 770 مليون دولار أمريكي، مقارنة بــ 631 مليون دولار في إيرلندا، حيث تشكل هذه الأرقام مؤشر على أهمية القطاع وسرعة تطوره.

أما آسيويًا، فتشكل الأسواق هناك ثاني أكبر مساهم في قطاع التكنولوجيا المالية، وتتربع كل من هونغ كونغ وسنغافورة على عرش صناعة التكنولوجيا المالية، وتتنافسان بشدة فيما بينهما وعالميًا لقيادة هذا القطاع، مؤخرًا تم توقيع مذكرات تفاهم بين البنوك المركزية في سنغافورة وهونغ كونغ لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مشاريع التكنولوجيا المالية.

في الوقت الذي قفزت فيه استثمارات الصين بنسبة 445% لتشكل 2 مليار دولار أمريكي، فيما خصصت الهند 1.65 مليار دولار.

 كما تسعى المكسيك لضبط إيقاع مشاريع التكنولوجيا المالية سريعة النمو وتنظيمها، خاصة للشركات التي تستخدم العملات الرقمية في منتجاتها، من خلال قانون جديد يحفز المنافسة ويقدم حماية كافية للمستخدم.

لكن المستثمر الأكبر في هذا القطاع عالميًا، يبقى الولايات المتحدة الأمريكية التي استفادت من معدلات النمو المعتدلة فيها، لتصبح مساهمتها خلال السنوات التي مضت تتجاوز 4.5 مليار دولار أمريكي.

تطبيقات التكنولوجيا المالية

على اعتبار أن التكنولوجيا المالية تعتمد على سرعة وسهولة تنفيذ العمليات التشغيلية من جهة، والنفاذ لجمهور أوسع دون تقيد جغرافي من جهة ثانية، فكان من المنطقي أن تتأثر الاستثمارات العالمية بالتطورات المتلاحقة للقطاع.

 وأنعكس ذلك بصورة ارتفاعات مستمرة حيث قفزت تلك الاستثمارات من 928 مليون دولار أمريكي في عام 2008 لتصل إلى 4 مليارات في عام 2013، فيما تقول شركة البحوث المتخصصة “فاليو أد” ان المبلغ الكلي وصل في عام 2015 إلى 20 مليار دولار أمريكي.

لكن أبرز التطبيقات التي تقدمها التكنولوجيا المالية، هي خدمة التمويل الجماعي التي تستخدم الانترنيت عبر منصات خاصة لجمع التمويل اللازم لمشاريع ريادية وناشئة من قبل العديد من المستثمرين حول العالم.

لقد وصل حجم الاستثمارات أو الأموال المدفوعة في منصات التمويل الجماعي حول العالم، خلال السنة الماضية إلى ما يزيد عن 34 مليار دولار أمريكي، فأصبحت تلك المنصات بمثابة بنوك استثمارية بإمكانيات مالية ضخمة. وبالرغم من أن كثيرًا من المتابعين لشؤون الاستثمار، يعتقدون أن هذه الطريقة لا يمكن أن تحل محل المصارف التقليدية أو الأسهم أو السندات، إلا أن الواقع يشير إلى تطورات كبيرة لا يمكن اهمالها في هذا المجال.

فمثلًا، استفادت الشركة الأمريكية المتخصصة في انتاج العتاد المستعمل في الواقع الافتراضي، Oculus VR عام 2012 من خدمات التمويل الجماعي، وحصد “بالمار لاكي ” (Pamer Luckey) مؤسس الشركة ما يقارب 2.5 مليون دولار أمريكي في حملته لبناء العلامة التجارية الخاصة به، ما ساعد شركته الناشئة والتي كانت تستهدف جمع 250 ألف دولار أمريكي فقط!

وفضلًا عن خدمات التمويل التشاركي / الجماعي (Crowdfunding)، سمح وجود شركات الفينتك بتقدم خدمات الإقراض بأسلوب الند – للند. وتخصص برامج الإقراض هذه للأفراد الذين يمولون بنفسهم هذه الخدمات.

ويقوم المبدأ العام على اللجوء لمنصات التمويل الجماعي، للحصول على قروض شخصية بغرض الاستهلاك، حيث يستفيد المقرض من تقديم المال للمقترض مقابل نسبة فائدة تكون أقل مما تأخذه المؤسسات المالية التقليدية. لنجد أن مصادر التمويل في تلك الحالة أصبحت الأفراد العاديين.

ففي الأردن وخلال الأعوام الماضية، سجل ظهور منصة “جرين والت” التي تسمح للمستخدم بالحصول على قرض مالي خلال مدة 15 دقيقة فقط، كما باشرت منصة “ليوا” عملياتها يعد ان قدمت منتج مالي متوافق مع الشريعة الإسلامية عند منح القروض.

وتظهر خدمات الدفع الإلكترونية، عبر مواقع الويب أو تطبيقات الهاتف المحمول التي تستعمل في شراء المنتجات أو الخدمات من المتاجر الإلكترونية، وتتربع شركة باي بال على عرش هذه الخدمات، مع قيمة سوقية تبلغ 49 مليار دولار أمريكي، ومعاملات سنوية تتجاوز 10.5 مليار دولار أمريكي، تحصد منها الشركة أرباح صافية تبلغ مليار دولار أمريكي.

تطور التكنولوجيا المالية وبرمجيات الهواتف المحمولة ساهم في ظهور أدوات ومنتجات جديدة، وسمح لكثير من الشركات الناشئة في ابتكار تطبيقات فعالة منها، تلك المخصصة للتحكم في إدارة المعاملات البنكية، او المحافظ الإلكترونية، وبرامج التوصيات الاستثمارية التي توفر للمستخدمين معلومات وشروحات هامة عن أدوات مالية استثمارية واعدة.

العالم العربي والتكنولوجيا المالية

ما يزال انتشار التكنولوجيا المالية وخدماتها في العالم العربي قليل نسبيًا، باستثناء خدمات الشركات العالمية التي تصل عن طريق الانترنيت للجمهور العربي، ويشكل هذا الضعف في الانتشار عقبة كبيرة امام ظهور وتطور المشاريع الريادية والناشئة في المنطقة.

يظهر تقرير متخصص عن ” المدفوعات الرقمية لعام 2016″ نمو متباطئ في منطقة الخليج العربي، إلا أن التوقعات بتزايد عمليات الدفع الإلكتروني حاضرة بقوة، وتشير التقديرات إلى وصول عمليات الدفع الرقمية (الإلكترونية) لتصل إلى نحو 69 مليار دولار بحلول عام 2020.

التقرير ذكر أن المنطقة تشهد نموًا في عمليات الدفع الرقمي بنسبة 23 بالمائة يدفعها لذلك النمو السنوي لدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.  ويشكل استعمال الخدمات المصرفية عبر الانترنيت وبطاقات الصراف وأنظمة الدفع البديلة ومن امثلتها “كاش يو” و ” ون كارد” و”باي بال “شعبية جيدة، إلا أن 85 % من المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط يتبعون طريقة الدفع عند الاستلام حتى الآن.

من المتوقع أن تحدث التكنولوجيا المالية ثورة كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي ومصارفها، وهو ما دفع شركات ناشئة للدخول في قطاع تطبيقات التكنولوجيا المالية، وتحفيز الدفع الإلكتروني وفي الكويت مثلًا أصبحت تشاهد شركات تمتلك تطبيقات على الهواتف الذكية متخصصة في تقديم تلك الخدمات، مثل تطبيق “اجار” وتطبيق “ماي فاتورة” التي تسمح للمستخدم بسداد الأموال عبر الهاتف النقال.

العالم العربي والتكنولوجيا المالية

في نفس السياق، نجد محاولات حكومية رائدة على مستوى المنطقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تسعى لتنشيط التجارة الإلكترونية، خاصة أن نسب المتسوقين عبر الانترنيت فيها تبلغ 71 بالمائة من اجمالي عدد السكان، فيما تتراجع إلى 50 بالمائة في بلد مثل الأردن بحسب تقرير ” المدفوعات الرقمية “

الجهات الحومية في دول الامارات، تبدي تعاون كبير مع القطاع المصرفي، والهيئات المتخصصة والشركات المهتمة بالخدمات المالية، وتقول الحكومة أنها تريد ” تريد تسريع عملية النمو في هذا المجال، وزيادة عدد المستثمرين” وهو ما يبرر الاتفاق بين حكومة الامارات وأستراليا في مجال التعاون وتبادل الخبرات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية، الأمر الذي تتوقع منه الحكومة زيادة فرص النمو والازدهار لهذا القطاع.

كما أطلقت إمارة دبي، عبر مركز دبي المالي العالمي خلال الفترة الماضية برنامج” فينتك هايف” الذي من المتوقع له أن يسرع تبني العملاء للتكنولوجيا المالية، ويحسن تجربتهم مع تعزيز الكفاءة في جميع عمليات التشغيل لقطاع الخدمات المالية. وتمامًا بنفس الغرض استطاع سوق أبو ظبي العالمي إطلاق برنامج مماثل هو ” المختبر التنظيمي” المسؤول عن ضبط وتطوير استعمال هذه التقنيات.

وبدوره أضاف بنك المشرق الإماراتي إلى خدماته، منفذ عالمي يسمح بتنفيذ عمليات شراء من مختلف أنحاء العالم، سميت هذه الخدمة “المشرق باي”، فيما سيقوم المصرف بتنفيذ عمليات رقمنة لخدماته عبر استثمار مبالغ جديدة في عملية التحول، والتي من المفترض أن تزيد أرباحه مستقبلًا بواقع 12 بالمائة بعد تنفيذ عملية الترقية لخدماته، تنتهي بتخفيض عدد الموظفين والفروع إلى النصف خلال السنوات الثلاثة المقبلة.

تقول الدراسات المتخصصة، أن شركات التكنولوجيا المالية ستستقطب في دول مجلس التعاون الخليجي استثمارات تصل لمليارين دولار أمريكي خلال السنوات العشرة المقبلة، سيرافق ذلك حركة تدريجية للتخلص من استخدام العملات النقدية التقليدية مع التحول نحو المدفوعات النقدية، حيث من المتوقع ان تظهر تغيرات جلية في العادات والسلوكيات الاستهلاكية السائدة في المنطقة.

تحويلات المغتربين المالية

لعل أبرز ما يميز المنطقة العربية حاليًا، موجات النزوح واللجوء الكبيرة التي تسببت بها الأنظمة العربية الحاكمة عند مواجهتها للربيع العربي وثورات شعوبها، إلا أن رحلة الاغتراب كانت قد بدأت قبل فترة سابقة بسبب الفشل الحكومي المتلاحق في توفير فرص العمل وبناء اقتصاد قوي، هذا الواقع خلق حاجة ملحة لتحويل الأموال بقصد إعانة الأسر في البلدان العربية من قبل الأبناء المهاجرين.

يقول البنك الدولي أن تكاليف تحويل الأموال حول العالم تمثل 7.7 بالمائة من اجمالي المبالغ المحولة، حيث تذهب هذه الأموال لشركات ومصارف تقدم خدمة نقل وتحويل الأموال، وحتى تتضح الصورة يكفي أن نعلم أن الهند، المهتمة في التكنولوجيا المالية، وحدها تخسر سنويًا 5 مليار دولار في عمليات التحويل القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي، والذي تمتلك فيها جالية ضخمة.

لذا يعول الكثيرون على تطورات التكنولوجيا المالية، في تخفيض هذه الخسارات فيما يرى المهتمون في الشأن المصرفي في التقنيات القادمة، فرصة أهم وأكبر للاستفادة من الواقع الحال وحجم سوق التحويلات الذي يبلغ مليارات الدولارات سنويًا.

الأسواق المالية العالمية

 لا تقتصر تطبيقات التكنولوجيا المالية على تطوير خدمات المصارف او تقديم منتجات رقمية ومنصات تسمح بالنفاذ إلى أسواق جديدة، بل تسمح بعبور الاستثمارات الى أسواق بعيدة. وكان ظهور الانترنيت فرصة الخطوة الأولى لظهور شركات مالية مثل وكلاء الأسهم والسندات، حيث سمحت التكنولوجيا لشركات الوساطة المالية باستقطاب الاستثمارات من كل انحاء العالم، فقدمت بدورها منتجات مالية متطورة وأدوات مالية مغرية.

يستطيع المستثمر البدء بمبلغ لا يتجاوز 1000 دولار أمريكي، وضخ هذا المبلغ المتواضع في بورصات عالمية كبورصة لندن وشيكاغو ونيويورك وسدني وطوكيو، حيث تتم عمليات الشراء والبيع عبر منصة الكترونية تقدم طيف واسع من المؤشرات والأسهم والعملات، مثل أسهم شركة آبل وغوغل ومؤشرات ناسداك أو مؤشر نيكاي الياباني، او ربما استثمر في ازواج العملات العالمية مثل الدولار الأمريكي مقابل الباوند البريطاني او اليورو وغيرها من الأسواق.

وتسمح شركات الوساطة لعملائها بمضاعفة راس المال المستثمر، من خلال الرافعة المالية التي تضاعف راس المال المستثمر دون عناء الحصول على قروض بفوائد عالية.

مستقبل زاهر ومخاطر حقيقية

يهدد قطاع التكنولوجيا المالية، كغيره من القطاعات التجارية، مخاطر أمن المعلومات والاتصال بالإنترنيت، خاصة عند وجود حاجة للطرف الثالث وبرمجياته في عمليات التشغيل، وتشكل تهديدات الاختراق، والتلاعب بالأنظمة المالية الإلكترونية حجر الزاوية في الاقبال على استعمال الخدمة من عدمها، دون ان ننسى إمكانية تلف وضياع البيانات وهو ما يكون محدودًا في العمليات المصرفية التقليدية.

 لكن زيادة الانفاق على ابتكارات أمن المعلومات ووسائل الحماية من الهجمات الإلكترونية يشكل حل معقولًا لهذه المعضلة، ما يحول النقمة إلا نعمة وفرصة جديدة، فالتطورات المتلاحقة لعالم التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية والبرمجيات المالية، يشهد ازديادًا يفسره وصول الاستثمارات في النصف الأول من العام الحالي 42 مليار دولا امريكي، وهو رقم قياسي على جميع المعايير.

الجدير بالذكر أن ظهور مصطلح فينتك كان عام 2008 وبشكل أكثر تحديدًا بعد وقوع الأزمة المالية العالمية، حيث اعطى النظام المالي العالمي مؤشرات واضحة لعدم الاستقرار والحاجة لضبط عملياته مع تقليل تدخل البشر، خاصة مع انتشار عمليات افساد المصرفيين وسوء ادارتهم للأموال المودعة في مصارفهم فيما عرف بأزمة الرهن العقاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *