تعيش غالبيّة الناس حالةً من التعب النفسي في زمن الجائحة، علمًا أنّ هذه الحالة لا تمثّل علامة ضعف، بحسب الاختصاصي والمعالج النفسي ومؤسّس وصاحب عيادة Peace of Mind Clinic الدكتور فيليب نون، الذي يتحدّث لـ”سيدتي. نت” عن بعض الاضطرابات التي تنتج عن الحجر الصحّي، وقد تلازم البعض حتّى بعد فكّ الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها جزئيًّا، مُحذّرًا من خطورتها، ومقترحًا حلولًا لها في الموضوع الآتي:
القلق
يولّد وباء “كوفيد-19″ حالةً من عدم الإستقرار، ما قد يؤدي إلى الخوف من المرض والمجهول وعدم القدرة على الراحة. من هنا، قد يشعر الإنسان بالخطر، ممّا يدفع بعقله إلى حالة من اليقظة لحماية نفسه من المخاطر. وفي هذا الإطار، يكون القلق استجابةً طبيعيّةً للأوضاع المجهدة وغير المؤكّدة، إلّا أن القلق قد يتحوّل إلى اضطراب عندما تستمرّ عوارضه طويلًا، وتكون مبنيّة على خوف مستمرّ، مبالغ فيه وغير عقلاني.
يتمظهر اضطراب القلق في مجموعة من العوارض الجسديّة والفكريّة، التي تأتي استجابةً لتهديد وشيك حقيقي أو متصوّر، وتؤدي إلى ردّة فعل تُعرف بـ”ردّة فعل القتال أو الهروب”. تشمل عوارض اضطراب القلق الجسديّة: ارتفاع الأدرينالين وتسارع ضربات القلب وتدفّق الدم إلى الرجلين واليدين والشعور بالاختناق والوخز بالصدر ووجع الرأس ووجع المفاصل والتشنّجات في المعدة والمشكلات في الهضم. أمّا عوارض اضطراب القلق الفكريّة، فتشمل: التوتّر الدائم والعصبيّة والإرهاق والخوف من المستقبل والصعوبة في التركيز ومشكلات النوم. والقلق هو عبارة عن خوف من المستقبل، وفي نفس الوقت شعور ملازم بأنّه في أي وقت قد تحدث أمور سيّئة.
يجدر التنبّه إلى أن الخطر الذي يواجهه الإنسان قد يكون خطرًا وجوديًّا أو كيانيًّا أو وجدانيًّا أكثر منه خطرًا جسديًّا، طالما أن المرء يأخذ احتياطاته للوقاية من الفيروس. ولمواجهة هذا الاضطراب، ينصح د. نون بالاسترخاء، وأداء تمرينات التنفّس، وتمرينات الإستدراك التي تُساعد في عدم التفكير بالمستقبل بل التركيز على الحاضر، ومحاولة الفصل بين الأمور التي هي تحت سيطرة الفرد والأمور التي يفقد السيطرة عليها واستبدال الأفكار المليئة بالخوف، بأفكار إيجابيّة وتفاؤليّة، لأنّ هناك رابط كبير بين الأفكار والمشاعر والتصرّفات.
كما ينصح د. نون بالعمل على التصرّفات، كتدوين الصعوبات التي يمرّ بها الفرد، والتحدّث عنها إلى فرد من العائلة والأصحاب، وقضاء الوقت معهم، والاستماع إلى الموسيقى، وممارسة الرياضة الخفيفة التي لا تسرّع ضربات القلب، فضلًا عن التوازن بين الوقت الذي يقضيه في العمل وبين الوقت المخصص للترفيه.
التوتر
صحيحٌ أنّ التوتر والقلق يتشابهان في العوارض، فيشعر المصاب بأيّ منهما بالإرهاق والصعوبة في التركيز والاختناق، بالإضافة إلى اضطرابات النوم والبرودة الجنسيّة وسرعة الانفعال وصعوبة الاسترخاء، إلّا أن التوتّر غالبًا ما يكون محصورًا بسبب محدّد وواضح، أمّا القلق فعامّ. كما يختلف التوتر عن اضطراب القلق لناحية طول وقت الأخير، في مقابل قصر مدى التوتر. يعاني معظم الأفراد من التوتّر أكثر من القلق، ولكن قد يتطوّر في صفوف البعض هذا التوتر ليتحوَّل إلى اضطراب القلق.
لمواجهة التوتر، تفيد المداومة على أداء تمرينات الاسترخاء وتمرينات التنفّس، وهي متوافرة على الإنترنت. كما يفيد في هذا الإطار، ألّا يعيش المصاب هذا الصراع مع نفسه، بل أن يلجأ إلى آخرين لدعمه. ومن الهامّ أن يتّكل على مصادر موثوقة ليتعامل مع هذه الصعوبات، سواء الموقع الإلكتروني لـ”منظّمة الصحّة العالميّة” أو البرنامج الوطني للصحّة النفسيّة في البلد الذي يعيش فيه الفرد.
الاكتئاب
الاكتئاب، اضطراب يصيب النفس والجسد، وهو من الحالات النفسيّة الأكثر انتشارًا في الزمن الحاضر، لا سيّما في فترة “كوفيد-19” إذ من تبعات هذا الفيروس خسارة بعض الناس وظائفهم أو أفراد عزيزين عليهم وتوقّفهم عن القيام بالأنشطة التي يحبّونها، ممّا يتسبّب لهم بفقدان الأمل وانعدام اللذّة بالأمور التي كانت تعنيهم قبلًا، بالإضافة إلى اضطرابات النوم واضطرابات الأكل والانفعال الزائد، ما يدفع إلى لوم النفس، والإحساس بانعدام القيمة، مع الدخول في حالة من الخمول والإنعزال والتفكير المستمرّ والحزن.
يترتّب على المكتئب، ولغرض تحسين مزاجه والتغلّب على الشعور بالوحدة، أن يكسرها عن طريق البقاء على تواصل مع الآخرين (المكالمات الهاتفية أو مكالمات الفيديو أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي بشكل منتظم).
كما ينصح د. نون بوضع أهداف بسيطة وسهلة، ومن ثمّ الانتقال إلى أهداف أكثر صعوبةً تدريجيًّا أي البدء بالقيام من السرير، والاعتناء بالنظافة الشخصيّة، وتدريجيًّا استعادة النشاط للقيام بأمور أخرى. كذلك، يُوصي بالقيام ببعض الهوايات والنشاطات التي يستمتع بها الفرد، خصوصاً تلك التي تبقيه نشيطًا، وتُعزّز ثقته بنفسه، كممارسة رياضة المشي، لا سيّما في الطبيعة، والقيام بأنشطة يُساعد من خلالها الآخرين، ما يُشعره بالسعادة. ولإدارة الأفكار دور كبير في التغلّب على الاكتئاب، إذ يُنصح بالتفاؤل والبعد عن الاستسلام ومخاطبة النفس بشكل إيجابي وعدم مقارنة النفس بالآخرين والتركيز على الجانب الإيجابي في كلّ موقف ومُمارسة التأمل. كما يُفيد إنهاء اليوم بكتابة “مذكرة إمتنان”، يُدوِّن فيها خمسة أمور إلى عشرة منها يمتنّ لها المرء حصلت معه خلال النهار.
الإدمان
خلال هذه الفترة الصعبة التي أدّت إلى الإنقطاع عن الآخر، وغياب الأمور المحفّزة، يزيد لدى بعض الأشخاص الاستعداد لإيجاد اللذّة في المواد المخدّرة أو الكحول، ممّا قد يؤدّي إلى الإدمان.
الإدمان هو اضطراب يتسم بحاجة شديدة وملحّة إلى تعاطي هذه المواد وارتباط قهري بها، فتُسيطر هذه الحاجة على المرء. ومع مرور الوقت، تزداد الحاجة إلى كميةّ أكبر من المادة المخدرة، ليمضي المدمن وقتًا طويلًا من اليوم، في التعاطي أو في السعي للحصول عليها. ويجدر الذكر أن تعاطي هذه المواد، رغم المتعة المؤقتة لا يحلّ المشكلات، وهو مضرّ على المدى الطويل. كما أن الإدمان يُفقد المدمن الاهتمام بالناس القريبين إليه، أو بالنشاطات التي كان يهواها قبلًا، لتدخل المادة في كلّ مجالات حياته. ومن مخاطر الإدمان: فقدان سرعة البديهة، والقدرة على الالتزام بالمسؤوليّات والفعاليّة في العمل.
إذا لاحظ المرء ازدياد اهتمامه بمادة ما، عليه محاولة تهدئة النفس حتّى لو شعر بالرغبة الشديدة بها، علمًا أنّه سيواجه صعوبةً في الفترة الأولى. ومن الهامّ أن يُصارح شخصًا يثق به بمشكلته، مع إيجاد بديل يشعره باللذّة، على أن يكون البديل نشاطًا هادفًا وغير مُضرّ. وفي هذا الإطار، يقول د. نون إنّ “عكس الإدمان هو التواصل، لأنّه عندما يكون الفرد على تواصل دائم مع الآخرين، تتراجع الرغبة لديه بالمادة المخدّرة، والتعلّق بها”.
من جهة ثانية، يشدّد د. نون على ضرورة استبدال مصطلح “التباعد الاجتماعي” الذي يكثر الحديث عنه في إطار الوقاية من “كوفيد-19″، بعبارة “التباعد الجسدي مع التماسك الاجتماعي”، وتشجيع الجميع على التواصل مع الآخرين، سواء فردًا من العائلة أو صديقًا أو حتّى معالجًا نفسيًّا، وطلب المساعدة عند الحاجة.
متى نزور المعالج النفسي؟
يجب اللجوء إلى عيادة المعالج النفسي، عندما تطول فترة العوارض النفسيّة لأسابيع، رغم كلّ محاولات الفرد لمساعدة نفسه والتأقلم. كما من الضروري الحصول على متابعة نفسيّة عندما تبدأ العوارض النفسيّة بالتأثير في القدرة على القيام بالواجبات، وعندما تؤثّر في علاقاته الاجتماعيّة وفي استقلاليته. علمًا أن المعالج النفسي يُحافظ على سريّة المريض، ولا يحكم على أفكاره وأفعاله، ويمتلك القدرة على الربط بين العوارض وأسبابها، وبالتالي بإمكانه توجيه الفرد ودعمه وتمكينه من تخطّي صعوباته.
“الأمم المتحدة” تحذّرمن أزمة عالميّة كبرى في مجال الصحّة العقليّة
حذّرت “الأمم المتحدة” أخيرًا أن وباء “كوفيد-19” قد يثير أزمة عالمية كبرى في مجال الصحّة العقليّة، داعية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المشكلات النفسيّة الناجمة عن الفيروس. وسلّط تقرير “الأمم المتحدة” الضوء على الضغوط النفسيّة التي يعاني منها الأشخاص الذين يخشون من أنهم أو أحباءهم سيصابون أو يموتون بالفيروس (…). وأشار أيضا إلى التأثير النفسي للفيروس في أعداد كبيرة من الأشخاص الذين فقدوا عملهم أو أنّهم معرّضون لفقدانه، وانفصلوا عن أحبائهم أو عانوا من تدابير الإغلاق الصارمة. وفي هذا الإطار، لفتت رئيسة قسم الصحّة العقليّة وتعاطي المخدرات في “المنظّمة” إلى التقارير التي تفيد بارتفاع حالات الانتحار بين العاملين في المجال الطبّي، وقالت إنّ “العاملين في مجال الرعاية الصحيّة والمستجيبين الأوائل الذين يعملون تحت “ضغوط هائلة”، معرّضون أكثر من غيرهم للخطر”. وتواجه مجموعات أخرى تحديات نفسية سبّبتها الأزمة أيضا، مثل: التلامذة المتوقفين عن الدراسة والذين يواجهون حالة من عدم اليقين والقلق، إضافة إلى النساء اللواتي يواجهن خطرًا متزايدًا من التعرّض إلى العنف المنزلي، مع بقاء الناس فترات طويلة في المنازل. كذلك، يواجه المسنّون والأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسيّة والذين يعتبرون معرضين بشكل خاص لخطر الإصابة بالفيروس، ضغطًا متزايدًا من خطر العدوى.