هناك مشاهد درامية خالدة وعصيّة على النسيان من قبل الجمهور أو الفنانين أنفسهم. هذه المشاهد ارتبطت بمواقف ألهبت عاطفة المشاهدين، فظلّوا يتذكّرونها لسنوات. ونجاح هذه المشاهد دائماً يلفت الانتباه إلى نجاح السيناريست الذي استطاع أن يصل بالحبكة الدرامية إلى مرحلة الذروة، ويحبس أنفاسنا معها ويسيل دموعنا أيضاً في بعض الأوقات من دون وعي.
وفي السطور الآتية، نستعرض لقطات درامية لم تفارق الذاكرة منذ فترة:
حلقة الجوع بـ”سيلفي”
إذا بدأنا هذا التقرير بالمشاهد الدرامية الأحدث، سنجد أنّ الحوار الذي دار بين الفنانين محمد الطويان وعبدالإله السناني في حلقة “الجوع” بمسلسل “سيلفي” العام الماضي كان مشهداً تراجيدياً باقتدار، وصفق له الجمهور الذي شدّه موضوع الحلقة التي كتبها سعد المدهش، مستنداً فيها إلى أحداث تاريخية شهدتها منطقة نجد قديماً.
المشهد سالت فيه دمعة الطويان، وسالت دموع المشاهدين؛ لأنه يحكي عن فضيلة تكاتف الجيران في أوقات الفقر والجوع. وقد نجح كاتب السيناريو في استدراج الناس إلى الانحياز له، فصنّفه الجمهور كأحد أهمّ المشاهد التي عرضها “سيلفي” في رمضان.
القصبي في “بيضة الشيطان”
وبما أن الحديث عن “سيلفي” يجرّ بعضه بعضاً، فالسعوديون لم ينسوا مشهد ناصر القصبي في حلقة “بيضة الشيطان”، وعكس المشهد الأخير في الحلقة عندما همّ ابنه الذي ينتمي إلى أرباب الفكر الضالّ بذبحه؛ وكان القصبي لحظتها يتذكّر ذلك الطفل وكيف كان يلهو معه عندما كان صغيراً، فكانت مرارة العقوق في حلق ذلك الأب الذي كان يتمنى لابنه مستقبلاً جميلاًن ثم فوجئ به يمدّ سكينه على رقبته. كان المشهد صادماً ومؤلماً ومن نوعية المشاهد التي لا تزول من الذاكرة المجتمعية لاعتبارات كثيرة، والحديث عن المشهد أوصله السعوديون في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حينها إلى “الترند” العالمي.
“القصاص” وفيصل العيسى
في الجزء الـ12 من مسلسل “طاش ما طاش”، قدّم الممثل فيصل العيسى بصحبة الفنان عبدالله السدحان مشهداً لا ينسى في حلقة ارتكزت فكرتها على عدم تمالك النفس وقت الغضب؛ الأمر الذي يؤدي بصاحبه إلى عواقب وخيمة تنتهي به إلى القتل.
في أحد المشاهد، يبكي فيصل العيسى الذي يؤدي شخصية ابن القاتل ويتوسل ذوي الدم أن يعفوا عن والده في مشهد مؤثر، قال عنه العيسى إنه من المشاهد التي لا ينساها في مسيرته الدرامية، وقال أيضاً: “عشت الدور بحذافيره، واندمجت في الشخصية، وكنت أتوسّل بحرقة لا يزال طعم مرارتها في حلقي حتى الآن”.
السدحان بدوره وصف ذلك المشهد بأنه المشهد الوحيد في “طاش ما طاش” الذي أبكى السعوديين، بالرغم من أنّ العمل في الأساس كوميدي، وقال: “المشاهد التي تقترب من عاطفة الناس تتطلب أداء يتوازى مع حجم تلك العاطفة حتى يشعر المشاهد بأنه جزء من الموقف، والأمر أبعد من كونه دراما”.
نجوى ومحمد حمزة
في مسلسل “ليلة هروب” الذي عرضه التلفزيون السعودي عام 1989، وكان من بطولة الفنان السعودي محمد حمزة، ومن مصر زوزو نبيل وفايزة كمال وسمية الألفي، ومن الكويت إبراهيم الصلال، كان المشهد الذي تسبب في نقطة التحول للعمل كاملاً لحظة غرق “نجوى” (فايزة كمال) وصراخ “أحمد” (محمد حمزة) وحالة الهستيريا التي اعترته؛ هذا المشهد تسبّب في هروبه إلى تونس، ثمّ إلى مصر خلال أحداث المسلسل، حيث تحوّل من أستاذ جامعي إلى عامل قهوة في “بني سويف”.
النقاد اعتبروا العمل إجمالاً من نوعية الأعمال السعودية التي أحدثت انقلاباً في الدراما المحلية من خلال الأحداث والحبكة الدرامية المعقدة. أمّا بالنسبة إلى الفنان محمد حمزة فقد أكد أنّ الناس عندما يقابلونه في الأماكن العامة كانوا يصافحونه و”يتحمدون له بالسلامة” ويبدون تعاطفاً معه، وكأنهم ما زالوا تحت تأثير العمل، بسبب قوته، على حدّ وصفه.
ماذا يقول السيناريست عنبر الدوسري؟
الكاتب المتخصص في الدراما المحلية عنبر الدوسري ذكر أن السيناريست عندما يبني قصته عليه أن يكون ملمّاً بجميع المشاهد والحوارات، وأن يتخيّل أحداث العمل حتى لا يفاجأ في جزئية ما بأنه مضطر للتوقف من أجل البحث عن مخرج من المأزق الدرامي، وقال: “المشاهد الخالدة في الدراما موجودة حتى عالمياً، وقد يحفظ الجمهور جملة معينة أو طريقة تعبير أو حتى إيماءة من الممثل أو الممثلة”، مستدركاً: “ولكن هذا الارتباط يحدث عندما يكون العمل مكتوباً ومدروساً بطريقة ممتازة. ومن الصعب أن يحفظ الجمهور مشهداً خالداً من حلقة تكون ضعيفة؛ لأن النجاح من المفترض أن يكون تكاملياً”. وتابع الدوسري: “المشهد القوي الذي يحفظه الجمهور عادة يكون مسبوقاً أيضاً بأحداث قوية تسبقه حتى الوصول إلى العقدة، ثم لحظة التطهير الدرامي”.
وبيّن الدوسري أنّ المشاهد القوية عادة تكون مرتبطة بالأعمال التراجيدية لا الكوميدية؛ لأن الكوميديا تصنع اللقطة المضحكة والعابرة في الوقت نفسه، ولا تلامس سويداء القلب من الجمهور.
وذكر أنه يهنئ زملاءه الكتاب عند نجاح أعمالهم، ويشيد في الوقت نفسه بالمشاهد التي أبدعوا الوصف فيها وفي تجسيدها كتابة.
دموع عبد العزيز جاسم
بالرغم من أن مشاهد الدموع تتكرر كثيراً في الدراما الخليجية، فإنّ المشهد الذي جمع الفنان القطري عبدالعزيز جاسم بالطفل آنذاك عبدالله الكواري في مسلسل “يوم آخر” الذي عُرض عام (2003) يعدّ مشهداً خالداً في الدراما الخليجية، وكان له تأثير كبير جداً على المشاهدين حتى سالت دموعهم بغزارة. فعندما عنَّف الأب ابنه، هرب الابن والتقط دراجته وخرج من الباب مسرعاً، فدعسته سيارة، واكتملت أركان المشهد بأداء عبدالعزيز جاسم، وغناء عبدالمجيد عبدالله الحزين، وحبكة وداد الكواري مؤلفة المسلسل، وحقق المشهد نسبة متابعة عالية في “يوتيوب” اقتربت من مليوني متابعة، بالرغم من أنه يعود إلى 13 سنة مضت.
تركي اليوسف والعقوق
من أكثر الأعمال التراجيدية التي حفظها متابعو الدراما السعودية منذ بداية الألفية، مسلسل “دمعة عمر”، الذي تولى بطولته الفنانون تركي اليوسف، وزينب العسكري، وعبدالرحمن العقل، ومجموعة من النجوم. اللقطة المؤثرة كانت حينما رمى اليوسف، الذي كانت انطلاقته الحقيقية في هذا العمل، أمه التي أدّت دورها باقتدار الفنانة “طيف” خارج المنزل بوشاية مكذوبة من زوجته التي تحاول دائماً تحريضه على أمه. وعندما علم بالحقيقة بعد فوات الأوان كان المشهد مؤثراً ومشبعاً بحزن عميق. هذا النوع من الأعمال يندرج تحت “الميلو دراما”، وهو عمل اجتماعي ركز على العلاقة المعقدة بين الأم والزوجة، وسيطرة بعض الزوجات على أزواجهن. المسلسل من تأليف سهر، ومعالجة أسمهان توفيق، وإخراج أحمد المقلة، ومن إنتاج شركة جديرة للأستاذ خالد المسيند